كلام على جدران المنفى

هناك متسع من الوقت للذاكرة غير انه يتقلص تماما حين نكون وجها لوجه مع حاضرنا, هناك أين تتسكع

 الفراشات و تقتات الذئاب على فتات الغنيمة  ولدت , وحيدا  في وطن أجمل من أحلامي و أبشع من ذكرى أنثى خلدتها الخيانة عشت  , هناك أين تموت العصافير عطشا و ترقص الضباع شبعا أين يولد المرء ألف مرة من اجل ان يصارع  واقعا أصم يرديه قتيلا في أخر اليوم  كبرت ,اين تطل الشمس مسلطة غضبها على أجساد أنهكتها الحياة حلمت  .

وطن أجمل ما فيه النسيان أروع ما فيه الذاكرة , صور تختزلها ذاكرتنا في ركن مضيء بين ألاف السطور من الصمود والألم مسيرة ألف عام من الحرب والسلام ألف عام من الرقص و الدموع ,

وطني  الحزن هو أن نكتب بلا بطاقة هوية أو حتى تصريح دخول أن تكون واقفا على حافة شاطئ يقع مباشرة امام جدرانك , السعادة أن تلتقي عبثا مع صورة لك على جدران المنفى , أن تجرب أن ترسم على الرمال خريطة الوطن و تأتي الأمواج لتمحوها عن غير قصد

تراجيديا الحياة لا شيء أبدي كل شيء مؤقت أنا آنت الجغرافيا التاريخ لا شيء يدوم طويلا دائما هناك نهاية لكل شيء حتى الوطن ينتهي به المطاف غالبا مجرد ذكرى في عقل لاجئ عنيد يبحث عن النجوم بين جدران الجحيم , لا يوجد ما هو أكثر تراجيدية من النهاية , النهاية بكل انقساماتها الجنونية وصخبها المفزع , البعض سيتكلم بكل مثالية عن صمود الوطن و ينكر تلك النهاية التي يخطها بعض من المجانين على جدران منفاهم وسيخطب لساعات في الجماهير الجائعة ويحدثهم عن حب الوطن و جمال الوطن وصمود الوطن و يتعمد دائما أن لا يعطي تعريفا واحدا لشيء أسميناه عبثا الوطن .

ستبحث في ملايين الكتب و المراجع ودروس التاريخ و الجغرافيا عن تعريف واحد لكلمة وطن لن تجد سوى رقعة جغرافية اجتمع داخلها عدد غير محدد من البشر و رسموا حدودا و وضعوا فوقها علم وعبثا ظهر مجنون بينهم و أطلق عليها اسما هو  وطن ,

الوطن يا وطني ليس سوى مجرد دعوة لحضور حفل يتباهى فيه الصعاليك بامتلاكهم لأكثر الأشياء تفاهة على سطح الأرض, الوطن يا وطني هو بكاء طفل من اجل قلم يخط به على حائط السجن انأ حر ,الوطن يا وطني هو أنشودة منفي بين الغرباء يحدثنا فيها عن الوحدة الإقليمية من اجل القومية العربية ,الوطن يا وطني هو منجل الفلاح و عرق الكادحين في ارض المستعمرين الجدد ,الوطن يا وطني هو أن نبكي انأ و أنت في صمت حتى لا يسمع بكائنا الغرباء. الوطن يا وطني هو أن لا يموت احد منا من اجل الخبز ولا ينتحر بقيتنا من اجل قصيدة ,الوطن يا وطني هو حكايات الجدات عن نصر الأجداد و هزيمتنا المرة ,الوطن يا وطني هو ان نعزف النشيد الوطني و نزين شوارعنا بالأعلام حتى لا نقول لساعي البريد عذرا نحن لا نملك عنوان .