أنا لا أحب الشتّاء!!

عزيزتي ؛
أكتب لك الليلة من نفس المكان على الأريكة المحاذية تماما لنافذة مطلّة على الشارع , لاشيئ يحدث عادة بهذا التوقيت من كل ليلة ما عدى صوت القط وهو يصارع  ذلك الخيط الأخضر المتدلي من الطاولة المجاورة ّ. أحيانا أحسده لانه لا يتقن لغة البشر وأخر شيئ يهتم له هو ان يخوض معارك خرافية ضد أشياء جامدة في أرجاء المكان , هو مثل من يحارب طواحين الهواء لا هو ينتصر ولا هي تموت , أليس جميلا أن نطل يوم على العالم مجردين من كل ذكرايتنا و كل المشاعر التي نكنّها للجميع دون إستثناء مثل القطط , مجردين حتى من ملابسنا و تلك الأكسسوارات التي ندفع مقابلها اموالا تكفي لحل أزمة عشيرة قطط بشوارع بلد بعيد , لطالما أردت ان انهض صباحا متناسيا جميع تلك الطقوس البالية التي تعودت القيام بها كل يوم , السيجارة الأولى القهوة إسطوانة الأغاني الحزينة وتفقد صندوق البريد و وضع الأكل لقط لا يشبع . أعرف أنا هذا مستحيل و إن تحقق سيكلفني كل ذكرياتي وأفكاري التي يقول بعضها انها عاقلة بالنسبة لشخص مجنون مثلي , لكن لا أتصور أني سأنسى ذلك الحب الذي يحملني كل مرة لإقتسام خبز اليومي من الأحداث والذكريات التي أكتبها عبثا في رسائل سميتها " رسائل إلى Cesaria Evora " 
هل هناك شيئ يدفع إنسان عاقل إلى الكتابة إلى إمرأة لم تكلف نفسها عناء الرّد ولو مرّة واحدة غير الحب , أحبك وأحب ذلك القط الغبي المحاصر بين الجدران وكلما فتحت له الباب رفض الخروج أحب أمي التي كلما نظرت إلى صورتها أحسست اني لازلت ذلك الطفل الصغير دائم الركض وراء المجهول دون ان يتعب , أحبها رغم أني أحيانا أعجز عن تفسير جميع الإختلافات الأديولوجية والفكرية التي تظهر بيننا كلما إشتد النقاش على موضوع تافه , احب أخي الذي طالما علمني أن العالم الخرافي الذي أسكنه ليس سوى سراب سيتركني متى ما حل الظلام , أحب أختي , أحب أبي رغم أني لا أذكر عنه الكثير من الأشياء سوى أنه تركني ذات شتاء من أجل شيئ لا أعلمه , أحب نفسي التي طالما رافقتني في تلك الليالي الباردة ولم تتركني أموت وحيدا في على الرصيف في ليالي الشتاء الممطرة و طالما أنقذتني من الطوفان  . 
أنا أكره الشتاء , و أكره تلك الأمطار التي تكره المشردين ولا ترحم من لا مأوى لهم , نعم أكره الشتاء  ككرهي لجميع العقد التي تنتابني كل يوم , أكره الشتاء ككرهي لها كيف لا وكلّما حّل الشتاء  جلست قرب ذلك الشخص الغريب قرب   المدفأة و تتركتني في العراء أصارع رياح الشمال   , أكره من علمني ان الحياة الجميلة وتستحق كل تلك المعاناة التي مررت بها .
و سأظل أكرر كل يوم انني أكره الشتاء ورياح الشمال والثلوج والأمطار و المعاطف و القبعات الصوفية  ومن ينتظرون الغرباء تحت المطر  , نسيت أن أسئلك يوما : 
هل تحبّين الشتاء ؟ 
لا أظن أن تحبين إرتداء تلك المعاطف الرخيصة و البقاء تحت المظلة في الليالي الشتاء الممطرة أوتحبذين شرب الشاي قرب المدفأة طيلة ليالي طويلة ,  أنا لم أجرب الإنتظار تحت المطر   , ولا أظن ان هناك دافع قوي لأفعل شيئا احمقا كهذا , 
سيأتي الشتاء ويسدل الستار على من سبقه من الفصول وسأظل أكتب لك خلسة كلما إشتدت الرياح  و الأمطار, سأكتب لك حتى لا ينتابني ذلك الشعور المقيت اني رجل مهزوم, حتى أحس  اني لازلت على قيد الحياة و حتى لا يذهب بالظن لدى البعض اني أكتب من أجلهم ومن أجل كل ما أرتكبوه من حماقات   .
عزيزتي لا أظن ان لدي الوقت الكافي لإتمام ذلك الكتاب هذه السنة حقيقة لا أملك الوقت والشجاعة لتدوين كل ما مررت به من قصص في رسائل فأغلب القصص تحتاج إلى كتب من أربعة أجزاء لوصف أصحابها فقط .



ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.